بقلم /د.يحيى القزاز
*هل هو حكم بات قطعى الدلالة قطعى الثبوت أم حكم موائمة سياسية؟
* ألا يعنى استمرار الفساد وانتشار الحرائق والانفلات الأمنى والفوضى العارمة فى مؤسسات الدولة والتصالح مع رجال أعمال نظام مبارك هو فقدان لشرعية سلطة الإخوان الحاكمة مصر بعد ثورة 25 يناير؟ ألا يعنى عمل توكيلات طواعية من الشعب للقوات المسلحة بإداراة البلاد هو حالة استنجاد بالجيش ورفض حكم التيار الطائفى وإنه الخيار المر؟
*إذا كان الوكيل (رئيس الجمهورية) يحق له استدعاء الجيش لحماية أمن البلاد والإشراف على الانتخابات فى الاضطرابات، فلماذا لايحق للأصيل (الشعب) فى انحراف الوكيل عن الحق أن يستدعى جيشه حرصا على وحدة دولته لإدارة البلاد مؤقتا والإشراف على كتابة دستور لكل المصريين وإجراء انتخابات شاملة؟
*ما العمل ونحن أمام الوجه المستتر الآخر الأكثر قبحا لنظام مبارك؟
عمليا لايكون دائما الحكم عنوان الحقيقة طالما هناك استئناف ونقض، كما أنه يوجد فى القضاء ما يسمى بالموائمة أى بين الواقعة والمناخ السائد، الواقعة مجزرة، والتوتر المجتمعى هو المناخ السائد، ويظل ضمير القاضى هو الوحيد المنوط به تحقيق العدالة واستقرار الوطن.. مهمة صعبة تقارب مهام الرسل عند بداية الدعوة والتبشير بدين جديد. وكم كانت مهمة دائرة محكمة الحكم صعبة فى قضية معقدة تلهب ظهر المجتمع، وأدلة مبعثرة تنذر بانشطاره.. اجتهدت المحكمة.. حققت ووائمت ولم يكن لها من مخرج بأفضل مماخرجت به، وأظن أنه استقر فى يقينها البشرى –المسموح فيه بالخطأ الإنسانى الذى يصوبه الاستئناف والنقض- أنه لا مناص مما قضت به، فكان لها أرادت حرصا على عدالة ناجزة، وطمعا فى استقرار وطن.. ولا أملك إلا تقديرها وتحيتها وهى التى حملت على عاتقها ما تنوء به الجبال من مستودع متفجرات، ومطلوب منها أن تصل إلى مستقرها دون أن يقصم ظهرها فيلتهمها أو ينفجر فى وجه المجتمع فيدمره.
والحكم بالرغم من أنه نهائى (نهاية مرحلة تقاضى) إلا إنه ليس باتا قاطعا طبقا لدرجات التقاضى فهناك الاستئناف والنقض، فالمتهم هشام طلعت مصطفى حصل على حكم إعدام فى قتل فنانة مغمورة وبعد النقض خفف إلى 15 سنة. وقضايا حصلت على براءة بعد حصولها على إعدام.
تستوقفنى فى القضية نقطة غير مفهومة وباعتبارى مهتما بالشأن العام ومن غير القانونين ومعلوماتى –المشكوك فيها- تخبرنى أنه لايجوز النطق بحكم الإعدام إلا بعد أخذ رأى المفتى، وطالعتنا شرائط على شاشات التليفزيونات التى تبث من القاهرة مكتوب عليها "دار الإفتاء: لانملك رفض تسليم القضية للمحكمة.. ونحتاج وقتا لدراستها" وأيضا "المفتى الجديد لم يسعفه الوقت لدراسة القضية" وما أريد معرفته وهو الحق فى المعرفة واجب وإلا صرنا قطيعا من الغنم نساق إلى مهالك الردى بغير استفسار عن مآل مسيرتنا النهائية، ما أريد معرفته من الذى أفتى بجواز إعدام من تمت إحالة أوراقهم إلى المفتى فى جلسة 26 يناير 2013؟
وفى سياق ما نحن بصدده تطل الاستفسارات برأسها: نعم حدثت مجزرة فى استاد بورسعيد راح ضحيته 72 شهيدا غير المصابين، ولايوجد مبرر لارتكاب هذه المجزرة من جمهور النادى المصرى ببورسعيد، فالنادى المصرى كان فائزا بالثلاثة! ما مصلحة هؤلاء المدانون بالقتل فى ارتكاب المجزرة، ولماذا يَقتلون؟ وتبدو الإجابة فى احتمالين إما مجانين أو مأجورين لصالح جهة ما تسعى لزعزعة استقرار الوطن. والحكم لا أراه نهاية لواقعة وطى لصفحة عنف دموية، الحكم هو بداية لبحث وبحث جاد عن دواعى ارتكاب مذبحة جماعية باستغلال حالة تنافس تقليدية بين النادى الأهلى والمصرى، بالدقة من وراء هؤلاء المدانون؟ وهل بالفعل ادينوا بأدلة قطعية الدلالة قطعية الثبوت؟ أم تم فبركة أدلة قُدمت للمحكمة من جهات سيادية، والحكم يعتمد على الأدلة والحيثيات، فالقاضى ليس شاهدا وإنما يحكم من خلال ما أمامه من أدلة وأوراق. مرة ثانية ما مصلحة هؤلاء المدانين فى ارتكاب مجزرة استاد بورسعيد؟ هل هم من المتعصبين للنادى المصرى البورسعيدى، والكارهين حتى الموت للنادى الأهلى، فأرادوا أن يهزموه مرتين الأولى بثلاثة أهداف كروية نظيفة والثانية بالقتل الجماعى وتقطيع الأوصال؟ خطورة الموضوع أن به إساءة لمدينة "بورسعيد" الباسلة التى ضحت وحمت مصر وقت أن كان المجلس العسكرى فى اللفة، وكانت الجماعة الحاكمة الآن تدبر المكائد وتتعامل مع المخابرات الإنجليزية لاغتيال قيادة الدولة الشرعية فى الخمسينيات.
والسؤال لماذا يتم القصاص الفورى لمجزرة استاد بورسعيد؟ ولماذا لم يتم القصاص لشهداء الثورة والتصالح مع رموز النظام السابق؟ والاجتهاد فى الإجابة يوحى بأن أصحاب الدم (التراس أهلاوى) رفضوا الدية وأصروا على القصاص وهددوا بشكل جاد سلطة البلاد فى حال التراخى، فكانوا لهم ما أرادوا، والدية فى الشرع تدفع لمقتول غير معروف قاتله، وهكذا تعاملت حكومة تدعى أنها إسلامية وتطبق الشرع حسب شريعتها الطائفية، ثم غياب تجمع لأهالى الشهداء يقوم بدوره ويطالب بثأره من قتلته هو أحد أهم الأسباب بالإضافة إلى صمتهم وقبول الدية التى هى حق لهم على الدولة. نحن أمام سلطة إخوانية حاكمة تمثل الامتداد الطبيعى لنظام مبارك المستبد فى زى طائفى، تتلاعب بمصير الدولة من أجل مصالحها.
نحن أمام قضية معقدة تستهدف الوطن ولا تستهدف مجموعة مشجعيين كرويين، تمت إبان حكم المجلس العسكرى أثناء تواطئه مع "جماعة الإخوان" فى إدارة البلاد، وتكريم المجلس العسكرى بعد إزاحته من قبل رئيس إخوانى يؤكد التحالف والتواطؤ بين المجلس العسكرى وجماعة الإخوان.. كيف يكرم من تم إزاحته وثبت فشله فى إدارة البلاد.. نحن أمام مسرحية عبثية نشاهدها ولانبحث عن دوافع أدوار ممثليها. الإسراع بالقصاص لقضية فصيل كروى وترك القصاص لشهداء الثورة إلهاء للشعب وإبعاده عن قضيته الحقيقية، وسنستغرق وقتا طويلا فى الحديث عن ذلك الحكم وتلك القضية، وتسرى نيران سلطة الإخوان الحاكمة تنهش فى هشيم المجتمع حتى تدمره وتستولى على البلاد بغير مقاومة. لا أظن أن الإعدام الفورى حلا لقضية معقدة إن كنا نبحث عن حل جذرى، فمعرفة الدوافع ومن وراء القتلة هامة جدا اللهم إذا كان الهدف طى صفحة للتغطية على مسكوت لايجب إفشاؤه كما حدث فى اعدام "لى هارفى أوزوالد" قاتل الرئيس الأمريكى جون كيندى عام 1963 ومازال السؤال يبحث عمن وراء قتل "كيندى"، هل جنون القاتل أم جهة ما وراء عملية الاغتيال، وهل كل من أعدموا هم من القتلة المجانين؟
على "التراس" اهلاوى ألا يفرح بهذا الحكم فهو غير بات، وعلى أهالى بورسعيد الباسلة ألا يحزنوا بهذه الإدانة فهى غير نهائية، إنها التهدئة المؤقتة لوطن مكلوم. لا انتصار لفصيل فى بلد مهزوم، ولا عدالة فى مجتمع تسعى سلطته الحاكمة على السيطرة عليه وخداعه باسم الدين. لاقصاص ولا انتصار لفريق على فريق، فكلنا فى الهم سواء، مدام قصاص الشهداء معلقا، والدية صارت بديلا له، والثورة لم تنتصر. ما العمل ونحن أمام الوجه الآخر لنظام مبارك، الوجه الأكثر قبحا الذى احتفظ به مبارك وخبأه عنا وتركنا نستخرجه باختيارنا وطواعية؟
نحن أمام خيارات أحلاهم مر، إما ترك الوضع على ماهو عليه، ونصير فى حرب استنزاف يشتد عودها فتصير حربا أهلية بين شعب ثائر أعزل وجماعة طائفية تمتلك مليشيات مسلحة مدربة على القتال، يموت فيها خيرة شباب مصر لصالح سلطة طائفية دموية مستبدة حاكمة، أو إحداث تقدم من خلال تنازل السلطة الدموية –برغبتها- والتضحية بحكومة التجميد التى دورها "محلك سر" وتعديل بعض مواد الدستور، أو انتخابات رئاسية مبكرة، أو يهب الشعب بغالبيته بعيدا عن التيار الطائفى المستبد بعمل توكيلات محدودة ومحددة للقوات المسلحة لإدارة البلاد لفترة انتقالية لا تتجاوز السنتين، يتم فيها عمل دستور لكل المصريين وإجراء انتخابات رئاسية تسلم بعدها السلطة لرئيس منتخب وتشارك فى الإشراف على الانتخابات البرلمانية. على التيار الطائفى أن يختار من البدائل الأربعة قبل أن تضيع الفرصة ولايصبح لدينا فرصة على الاختيار بل نصير فى طريق الاختيار المر الأوحد وهو عودة الجيش لإدارة البلاد مؤقتا بتفويض من الأصيل الذى هو الشعب، على السلطة الحاكمة الاختيار قبل فوات الآوان حقنا لدماء الشعب وعليه أن يدرك معنى وغزى خروج الشعب على سلطة طائفية حاكمة والعصيان المدنى فى محافظات عديدة. هذه ليست دعوة لحكم العسكر هى دعوة للاستنجاد بمؤسسة وطنية مازالت هى الوحيدة التى لم تهترأ، يستدعيها رئيس الدولة للنزول لحماية المنشآت والإشراف على الانتخابات، ورئيس الدولة يستدعيها باعتباره وكيلا عن الشعب الذى انتخبه بنسبة قليلة، وفى وجود الأصيل (الشعب) ورفضه لتصرفات الوكيل الطائفية والتفريطية يحق للأصيل ان يستدعى من يملكه لإقرار الأمن وحماية الثورة، وبنص الدستور "القوات المسلحة ملك للشعب". استدعاء القوات المسلحة حاليا وباختيارنا أفضل من نزولها مضطرة بعد أن تحرق السلطة الطائفية الحاكمة الأخضر واليابس. وأثبتت الأيام أن الشعب أقوى من أى جيش مهما كان لدى الجيش من رؤوس نووية، فإرادة الشعب أقوى من أى أسلحة نووية، ومن يستدعى يملك أن يعيد، ومن يفرض عليه شيئا لايملك حق إعادته وإرجاعه لأصله. هى دعوة لإنقاذ وكن وليست لعسكرة حكم، والبديل مزيد من الدماء فى ظل حكم جماعة طائفية فاشية ورئيس فاشل أهم سماته التردد وأخونة الدولة.
الساعة الثانية عشرة ظهر السبت 9 مارس 2013
إرسال تعليق