انقلاب قطري على السعودية: انفراد بقرار «الائتلاف» السوري

الخميس، 21 مارس 20130 التعليقات

بقلم / محمد بلوط
«حكومة سورية مؤقتة» للمعارضة وانقلاب قطري على السعودية في «الائتلاف الوطني» المعارض ومحاصرة التفاهم الأميركي الروسي وإحباطه، والثمرة الأولى: انشقاق 12 ائتلافياً بعد ساعات قليلة من ترئيس غسان هيتو لـ«حكومة» بخلاف اتفاق رعته قطر والسعودية بين أجنحة «الائتلاف».
يخرج القطريون بانتصار واسع في الصراع على قيادة جزء واسع من المعارضة السورية الخارجية، وعلى تحديد مسارها المقبل. وخلال الأيام المقبلة ينتقل الرهان على تحقيق انتصار قطري آخر بمنح «الحكومة المؤقتة» مقعد سوريا في الجامعة العربية، بدءاً بمقعد ممثلها في قمة الدوحة العربية الثلاثاء المقبل.
وتتقاطع مصادر سورية معارضة في وصف ما جرى في اسطنبول أمس الأول من أنه كان انقلاباً على اتفاق قطري - سعودي جرى التوافق عليه في الأسابيع الأخيرة، بترئيس وزير الزراعة السوري السابق أسعد مصطفى لـ«الحكومة المؤقتة». وقال مصدر في «الائتلاف» إنه بعد 14 ساعة من الاجتماعات المغلقة والمشاورات، أدار فيها مكتب الخارجية القطرية بالهاتف من الدوحة اتجاه المشاورات وتحويل ما كان في البداية عملية توافقية على اسعد مصطفى إلى انتخابات، عزلت الكتل الصغيرة والمستقلين الذين لا يتمتعون بثقل كبير، كما عزلت رئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب نفسه، الذي اضطر إلى الإذعان لخيار الكتل الكبرى، بعد أن كان رفض خيار «الحكومة المؤقتة» في رسالة داخلية دعا فيها إلى التمهل وعدم التهور، واستغراق الوقت الكافي من المشاورات وعدم المخاطرة باختيار شخصيات لا إجماع عليها، وأن هدف الحصول على مقعد سوريا في الجامعة العربية، الذي يندفع القطريون نحوه، لا يستحق المخاطرة بـ«الائتلاف».
وقال مصدر في «الائتلاف» إن مدير مكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري خالد العطية تدخل لفرض غسان هيتو، وجرى استدعاء أعضاء الهيئة الانتخابية من غرفهم في الفندق الإسطنبولي، بعد منتصف الليل، للتصويت على تعيينه رئيساً لـ«الحكومة المؤقتة».
وتضافرت عوامل عديدة في إنجاح الانقلاب القطري وترجيح تشكيل «حكومة مؤقتة سيادية» على خيار هيئة تنفيذية إدارية، عندما أعاد الكثيرون داخل «الائتلاف» تموضعهم من الخيارين. فبعد أن عارض الإخوان المسلمون خيار «الحكومة المؤقتة» أعاد هؤلاء النظر بموقفهم بسبب تبلور تفاهم أميركي ـ روسي حول بيان جنيف. ويملك «الإخوان» قوة ضاربة داخل
«الائتلاف» عبر عنها بوضوح تصويت 35 ائتلافياً لمصلحة هيتو من أصل 66. ويهيمن «الإخوان» على جزء واسع من مجموعة «المجلس الوطني» (26) داخل «الائتلاف» بالإضافة إلى كتلة موالية هي كتلة الأمين العام الائتلافي مصطفى الصباغ والتي تضمّ 15 ممثلاً لـ«الحراك الثوري» و«المجالس المحلية».
وكان التفاهم الأميركي ـ الروسي قد أثار مخاوف لدى «الإخوان» من صعود خيار «اتفاق جنيف» وان يفرض التفاهم على المعارضة السورية، ولا سيما «الإخوان»، تقاسم حكومة انتقالية مع ممثلين للنظام السوري، وتحت المظلة الروسية الأميركية. وكانت تصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري الأخيرة بالإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد خلال العملية الانتقالية لقاء قبول الروس بحكومة انتقالية مطلقة الصلاحيات قد كشف تقدّم الخيار السياسي، نظرياً على الأقل، على الخيار العسكري.
وكشف مصدر في «الائتلاف» أن مصطفى الصباغ أقنع القطريين باستبدال اسعد مصطفى بغسان هيتو. وساهم قرب هيتو من «الإخوان» بتغليب ترشيحه على ما عداه، وشبكة علاقاته الأميركية الواسعة، خصوصاً في قلب وزارة الخارجية الأميركية، وهو ما ساهم في تقريب المواقف مع مَن كان يعارض داخل الخارجية الأميركية تشكيل تلك «الحكومة» حالياً.
وقال قطب في «الائتلاف» إن السعوديين أصيبوا بصدمة من مناورة قطر، التي انفردت باتخاذ قرار تعيين «رئيس للحكومة المؤقتة» بعد أن كان السعوديون قد ضحوا في المشاورات مع القطريين بمرشحهم المفضل رياض حجاب، واضطروا إلى سحبه لقاء التوافق على اسعد مصطفى، كما رفض القطريون طلباً سعودياً بالتمهل قبل إجراء الانتخابات إلا أن القطريين رفضوا الطلب.
ولا يعبّر خروج 12 ائتلافياً احتجاجاً على ترئيس هيتو لـ«الحكومة المؤقتة» عن وجود كتلة منسجمة ضد الانفراد القطري بالقرار السوري الخارجي المعارض. فبين من خرجوا كانت نائبة رئيس «الائتلاف» سهير الأتاسي، قد احتفلت بانتخاب هيتو ليلاً، قبل أن تعيد النظر بموقفها خلال الليل لأسباب غير واضحة وتعلن في الصباح تعليق عضويتها في «الائتلاف لأنها ترفض أن تكون رعية أو زينة كما كتبت على صفحتها على «فايسبوك» بينما جمّد كمال اللبواني عضويته «لأن الائتلاف ليس هيئة منتخبة بحد ذاتها كي ينتخب رئيس حكومة للسوريين». وفقد «الائتلاف» الناطق باسمه وليد البني الذي اختار التجميد أيضاً «احتجاجاً على التوقيت والطريقة التي دفع بها الائتلاف من أجل الحصول على الأغلبية في مجموعة لم يتم انتخابها».
ولا ينبغي انتظار الكثير من المجموعة التي لم تقرر حتى الآن ما إذا كانت ستعمل إلى جانب معاذ الخطيب داخل «الائتلاف»، لأنه لا يبدو حتى الآن ما إذا كان سيستقيل من منصبه أم لا، بعد أن فرض عليه القطريون خياراً، كان قد رفضه علناً في رسالة إلى الائتلافيين أو في استنكافه عن حضور الاجتماعات السابقة. ويقف خطيب الجامع الأموي السابق أمام خيارات صعبة للبقاء في منصبه، بعد أن أعاد غسان هيتو تصويب موقف «الائتلاف» من التفاوض مع النظام السوري رافضاً اياه في اول تصريح له بعد انتخابه، فيما رجحت زعامة الخطيب بعد خروجه من الرهان على الحل العسكري وحده، وفتحه الباب أمام امكانية التفاوض على حل سياسي مع النظام السوري. ويتمتع الخطيب مع ذلك بدعم اميركي للبقاء في منصبه وبتأييد شعبي لمبادرته التفاوضية، يخترق أطر المعارضة في الداخل والخارج، وبشرعية سورية تفيض بكثير، عن شخصية مغمورة كغسان هيتو، أخرجها القطريون من العتمة للبقاء في دفة القرار السوري الخارجي.
ولا يبدو الخطيب وحيداً في مواجهة الخيارات الصعبة بالبقاء أو الرحيل. إذ يشاركه اياها المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي. وباتت حظوظ الإبراهيمي في البقاء في موقع ديبلوماسي ديناميكي مرهونة بصمود واستمرار التفاهم الروسي - الأميركي، أمام الهجوم القطري وفرضه عبر «الحكومة المؤقتة» خيار الحل العسكري وحده. وقال مقرب من الإبراهيمي إن «قطر تخرّب علينا عملنا ومهمتنا».
ونقل مصدر عن اجتماع عقده الإبراهيمي مع فريقه في القاهرة، عقب ترئيس هيتو، قوله إن «تشكيل الحكومة المؤقتة يهدد فكرة المفاوضات والحل السياسي، كما يقوم بالتخريب على مهمته». وأضاف المصدر الديبلوماسي إنه ليس واضحاً حتى الآن لدى الإبراهيمي ما إذا كان القطريون سيذهبون حتى النهاية في تهديدهم لمهمته، ام ان «الحكومة المؤقتة» رغم طابعها «السيادي» الذي سيؤدي إلى نشوء حكومتين سوريتين، ستكتفي بأعمال إدارية واغاثية، تاركة له هامشاً كافياً لإطلاق عملية سياسية.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن وزير الخارجية سيرغي لافروف بحث في اتصال هاتفي مع المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي تطورات الوضع في سوريا. وأوضح أن «الطرفين ناقشا الملف السوري في ضوء التوجه داخل المعارضة السورية في الخارج وجامعة الدول العربية إلى رفض الحوار مع الحكومة السورية على الرغم من الاتفاقات المذكورة في بيان جنيف في 30 حزيران الماضي بشأن تشكيل هيئة إدارة انتقالية على أساس توافق بين الحكومة والمعارضة».
إلى ذلك، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مفاجئة إلى مركز تربوي للفنون الجميلة في شرق دمشق، حيث يُقام تكريم لأهالي تلامذة قضوا جراء النزاع.
وذكر المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية السورية، على صفحته الرسمية على موقع «فايسبوك»، انه «خلال تكريم وزارة التربية لأهالي التلاميذ الذي استشهدوا بسبب الأعمال الإرهابية وهم على مقاعد الدراسة في المركز التربوي للفنون التشكيلية، حضر الرئيس الأسد بشكل مفاجئ ليكرم الأهالي بنفسه».
وقال الأسد للأهالي إن «سوريا اليوم كلها جريحة، ولا يوجد فيها أحد لم يخسر أحد أقربائه، إن كان أخاً أو أباً أو أماً، ولكن كل هذا لا يعادل خسارة الابن، ومع ذلك فإن كل الذي يحصل بنا لا يمكن أن يجعلنا ضعفاء، والمعركة هي معركة إرادة وصمود، وبقدر ما نكون أقوياء بقدر ما نتمكّن من حماية الآخرين من أبناء الوطن».
وشدّد الأسد على أن «السوريين يستمدّون القوة وعدم الرضوخ والاستسلام من أهالي الشهداء، وأن سوريا صامدة بصمودهم وصمود أبنائها المعروفين بمساندتهم لبعضهم البعض في الملمات والوقوف صفاً واحداً لتكون سوريا دائماً قوية ومنتصرة».
انشر الموضوع واضفط اعجبنى :

إرسال تعليق