بقلم
دكتور محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية الريفية بجامعة الإسكندرية
لا زال الإخوان وأتباعهم مصرين على الاعتراف بنجاح الرئيس مرسي بعد سبعة أشهر من اعتلائهم سدة الحكم بعد الثورة الينايرية المجيدة بالرغم من استمرار الانفلات الأمني وارتفاع عدد القتلى والشهداء والمصابين والمعذبين في المعتقلات وارتفاع الجرائم السياسية والمدنية، وانتقاد العالم والمؤسسات الدولية لأداء السياسة والاقتصاد المصري، واحتلال مصر قاع ما يسمى بالدول الفاشلة، واستمرار المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري كافة.
لماذا يستمر هذا التعصب الإخواني والإصرار على مخاصمة الواقع والاعتراف به؟ يحاول هذا المقال الإجابة على هذا التساؤل علما بأن هذا ليس تبريرا لعدم مجاهدة السلوك السياسي الإخواني الذي أجهض أحلام الشعب المصري ومقاصد ثورته المجيدة وبالطريقة التي يرضاها الله ورسوله.
العجيب أن التعصب والتمييز عادة ما يكونا بين الجماعات الغالبة في المجتمع وضد الأقليات. ولكن في حالة الإخوان المسلمين، نجد العكس، علما بأن الجماعة الإخوانية عند نشأتها كانت كسائر الجماعات الدعوية والخيرية الأخرى، ولكن بتطورها وتدخلها في السياسة اكتسبت طابع الجماعة الأقلية التي أصبحت تعادي المجتمع الأكبر وتحاول تغييره حسب رؤيتها الخاصة. وقد بلغ الأمر ذروته بعد تحقيق حلمها، وأصبحت تحتل سدة الحكم في مصر الآن.
كيف نفسر تعصب الإخوان والمتعاطفين معهم، تلك الجماعة الأقلية، ضد بقية المجتمع المصري، وهو الغالبية العظمى؟
1. الشعور بالخوف والتهديد المتبادل بين الجماعة الإخوانية وبقية المجتمع المصري حيث يؤدي هذا الخوف وخاصة من جانب الجماعة الإخوانية إلى محاولة التمسك بالسلطة واحتلال مفاصل الدولة لتأمين حكمها وحماية الجماعة.
2. يؤدي الشعور بالخوف والتهديد من جانب الجماعة الإخوانية إلى ممارسة التمييز من جانبها ضد الجماعة المصرية الأكبر فتلجأ إلى تسكين أعضائها في الوظائف والمناصب الهامة على أساس مبدأ أهل الثقة دون أهل الكفاءة.
3. تشعر الجماعات الإخوانية والمتطرفة الأخرى عموما بدرجة من الشعور بالشذوذ الاجتماعي وما يصحبه من عدم تقدير الذات مما يضطرهم إلى ادعاء السيادة، وادعاء أنهم الأسرة المالكة، والتظاهر بالتغطرس والعلو، ومما يجعلهم أيضا يتخذون من بعض الجماعات الأخرى كبش فداء للهجوم عليها مثل اللبراليين أو اليساريين أو القوميين أو غيرهم.
4. نشأة الجماعة الإخوانية على الالتزام بقيم قيادات الجماعة التي تعتنق رؤى دينية خيالية متطرفة كفكرة الخلافة وأستاذية العالم واعتبار غيرهم دون الالتزام الديني، بل وتكفير المجتمع في بعض الأحيان.
5. الدعم الجماعي الإخواني لأعضاء الجماعة، مما يؤدي إلى التزام الأعضاء بسلوك الجماعة حتى لا يفقد الأعضاء هذا الدعم وتلك الطمأنينة المعتمدة على غريزة القطيع.
6. الالتزام بالمنافع الاقتصادية والمادية الأخرى النابعة من عضوية الجماعة والمكافآت المعنوية الأخرى الناتجة عن هذا الالتزام.
7. الشخصية السلطوية الاستبدادية لأعضاء الجماعة كلهم نتيجة الالتزام بمبدأ السمع والطاعة، وإرث تلك الشخصية من الآباء السلطويين الاستبداديين.
8. شعور الجماعة بأنها الجماعة الناجية وأن الآخرين هم الفئة الباغية أو الفئة الهالكة، مما يؤكد لديهم النزعة العنصرية والانفصالية عن بقية أعضاء المجتمع، مما أدى على سبيل المثال إلى شعور المجتمع بأن الرئيس مرسي ليس رئيسا لكل المصريين.
9. الحدود الصارمة حول الجماعة الإخوانية، وانغلاقها عن بقية أعضاء المجتمع مما يبدو على سبيل المثال في عدم الزواج من غير أعضاء الجماعة وعدم الاختلاط بغير أعضاء الجماعة.
10. الإيمان بالصراع والعنف ضد الآخرين والمجتمع عموما، وذلك لرفض الذوبان فيه من ناحية، وكذلك للحفاظ على مكاسبهم المعنوية والمادية نتيجة عضوية الجماعة من ناحية أخرى. ويتمثل ذلك في العنف المؤكد على مر تاريخ الجماعة والمتمثل في الاغتيالات والقتل والتعذيب والخطف والتهديد كما يحدث هذه الأيام بصفة خاصة نتيجة الرغبة المحمومة في الاحتفاظ بالحكم واستمراره.
الخلاصة والحلول: لا يمكن للجماعة الإخوانية أن تتخلص من تعصبها وعنصريتها وتمييزها ضد الآخرين إلا بالتدين الحق والاستنارة والثقافة وسعة الأفق والتعايش مع الآخرين المختلفين، وهذا يستغرق وقتا طويلا لو أنهم اختاروا هذا المنهج العلاجي. كما يتطلب هذا التحول التنويري أيضا الاختلاط بالآخر والتعاون معه فيما يتعلق بالأهداف والمصالح المشتركة والاتصال بالجماعات والثقافات الأخرى حتى تقدر الأطراف المتعاونة وخاصة الجماعة الإخوانية خبرات الآخرين وخلفياتهم وتقدرهم كبشر يستحقون حق الحرية والاختيار والعمل في ظل القانون، وهذا يستلزم أيضا وقتا طويلا وإن كان ليس بذات طول الخيار الأول. أما الخيار الثالث والأخير، وهو الأكثر نجاعة والأسرع تنفيذا، فهو تطبيق القانون ضد كافة سلوكيات التعنصر والتمييز. ونظرا لأن الرئيس مرسي قد ضرب بالقانون عرض الحائط، فلم يبق من سبيل أمام مواجهة الظلم والقهر والتمييز الإخواني ضد الشعب المصري إلا استمرار الثورة على هذا الحكم الفاشي، وإلا فليعد الشعب المصري إلى ما هو ألعن من الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المباركي، إلى كل ذلك مشفوعا بالاستبداد الديني، وهو نهاية الشرف والحياة.
دكتور محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية الريفية بجامعة الإسكندرية
لا زال الإخوان وأتباعهم مصرين على الاعتراف بنجاح الرئيس مرسي بعد سبعة أشهر من اعتلائهم سدة الحكم بعد الثورة الينايرية المجيدة بالرغم من استمرار الانفلات الأمني وارتفاع عدد القتلى والشهداء والمصابين والمعذبين في المعتقلات وارتفاع الجرائم السياسية والمدنية، وانتقاد العالم والمؤسسات الدولية لأداء السياسة والاقتصاد المصري، واحتلال مصر قاع ما يسمى بالدول الفاشلة، واستمرار المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري كافة.
لماذا يستمر هذا التعصب الإخواني والإصرار على مخاصمة الواقع والاعتراف به؟ يحاول هذا المقال الإجابة على هذا التساؤل علما بأن هذا ليس تبريرا لعدم مجاهدة السلوك السياسي الإخواني الذي أجهض أحلام الشعب المصري ومقاصد ثورته المجيدة وبالطريقة التي يرضاها الله ورسوله.
العجيب أن التعصب والتمييز عادة ما يكونا بين الجماعات الغالبة في المجتمع وضد الأقليات. ولكن في حالة الإخوان المسلمين، نجد العكس، علما بأن الجماعة الإخوانية عند نشأتها كانت كسائر الجماعات الدعوية والخيرية الأخرى، ولكن بتطورها وتدخلها في السياسة اكتسبت طابع الجماعة الأقلية التي أصبحت تعادي المجتمع الأكبر وتحاول تغييره حسب رؤيتها الخاصة. وقد بلغ الأمر ذروته بعد تحقيق حلمها، وأصبحت تحتل سدة الحكم في مصر الآن.
كيف نفسر تعصب الإخوان والمتعاطفين معهم، تلك الجماعة الأقلية، ضد بقية المجتمع المصري، وهو الغالبية العظمى؟
1. الشعور بالخوف والتهديد المتبادل بين الجماعة الإخوانية وبقية المجتمع المصري حيث يؤدي هذا الخوف وخاصة من جانب الجماعة الإخوانية إلى محاولة التمسك بالسلطة واحتلال مفاصل الدولة لتأمين حكمها وحماية الجماعة.
2. يؤدي الشعور بالخوف والتهديد من جانب الجماعة الإخوانية إلى ممارسة التمييز من جانبها ضد الجماعة المصرية الأكبر فتلجأ إلى تسكين أعضائها في الوظائف والمناصب الهامة على أساس مبدأ أهل الثقة دون أهل الكفاءة.
3. تشعر الجماعات الإخوانية والمتطرفة الأخرى عموما بدرجة من الشعور بالشذوذ الاجتماعي وما يصحبه من عدم تقدير الذات مما يضطرهم إلى ادعاء السيادة، وادعاء أنهم الأسرة المالكة، والتظاهر بالتغطرس والعلو، ومما يجعلهم أيضا يتخذون من بعض الجماعات الأخرى كبش فداء للهجوم عليها مثل اللبراليين أو اليساريين أو القوميين أو غيرهم.
4. نشأة الجماعة الإخوانية على الالتزام بقيم قيادات الجماعة التي تعتنق رؤى دينية خيالية متطرفة كفكرة الخلافة وأستاذية العالم واعتبار غيرهم دون الالتزام الديني، بل وتكفير المجتمع في بعض الأحيان.
5. الدعم الجماعي الإخواني لأعضاء الجماعة، مما يؤدي إلى التزام الأعضاء بسلوك الجماعة حتى لا يفقد الأعضاء هذا الدعم وتلك الطمأنينة المعتمدة على غريزة القطيع.
6. الالتزام بالمنافع الاقتصادية والمادية الأخرى النابعة من عضوية الجماعة والمكافآت المعنوية الأخرى الناتجة عن هذا الالتزام.
7. الشخصية السلطوية الاستبدادية لأعضاء الجماعة كلهم نتيجة الالتزام بمبدأ السمع والطاعة، وإرث تلك الشخصية من الآباء السلطويين الاستبداديين.
8. شعور الجماعة بأنها الجماعة الناجية وأن الآخرين هم الفئة الباغية أو الفئة الهالكة، مما يؤكد لديهم النزعة العنصرية والانفصالية عن بقية أعضاء المجتمع، مما أدى على سبيل المثال إلى شعور المجتمع بأن الرئيس مرسي ليس رئيسا لكل المصريين.
9. الحدود الصارمة حول الجماعة الإخوانية، وانغلاقها عن بقية أعضاء المجتمع مما يبدو على سبيل المثال في عدم الزواج من غير أعضاء الجماعة وعدم الاختلاط بغير أعضاء الجماعة.
10. الإيمان بالصراع والعنف ضد الآخرين والمجتمع عموما، وذلك لرفض الذوبان فيه من ناحية، وكذلك للحفاظ على مكاسبهم المعنوية والمادية نتيجة عضوية الجماعة من ناحية أخرى. ويتمثل ذلك في العنف المؤكد على مر تاريخ الجماعة والمتمثل في الاغتيالات والقتل والتعذيب والخطف والتهديد كما يحدث هذه الأيام بصفة خاصة نتيجة الرغبة المحمومة في الاحتفاظ بالحكم واستمراره.
الخلاصة والحلول: لا يمكن للجماعة الإخوانية أن تتخلص من تعصبها وعنصريتها وتمييزها ضد الآخرين إلا بالتدين الحق والاستنارة والثقافة وسعة الأفق والتعايش مع الآخرين المختلفين، وهذا يستغرق وقتا طويلا لو أنهم اختاروا هذا المنهج العلاجي. كما يتطلب هذا التحول التنويري أيضا الاختلاط بالآخر والتعاون معه فيما يتعلق بالأهداف والمصالح المشتركة والاتصال بالجماعات والثقافات الأخرى حتى تقدر الأطراف المتعاونة وخاصة الجماعة الإخوانية خبرات الآخرين وخلفياتهم وتقدرهم كبشر يستحقون حق الحرية والاختيار والعمل في ظل القانون، وهذا يستلزم أيضا وقتا طويلا وإن كان ليس بذات طول الخيار الأول. أما الخيار الثالث والأخير، وهو الأكثر نجاعة والأسرع تنفيذا، فهو تطبيق القانون ضد كافة سلوكيات التعنصر والتمييز. ونظرا لأن الرئيس مرسي قد ضرب بالقانون عرض الحائط، فلم يبق من سبيل أمام مواجهة الظلم والقهر والتمييز الإخواني ضد الشعب المصري إلا استمرار الثورة على هذا الحكم الفاشي، وإلا فليعد الشعب المصري إلى ما هو ألعن من الاستبداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المباركي، إلى كل ذلك مشفوعا بالاستبداد الديني، وهو نهاية الشرف والحياة.
إرسال تعليق