متى يأتي دورنا بعد مصر؟؟

الجمعة، 12 يوليو 20130 التعليقات

يقلم / هانى عوكل
يعود مشهد الثورة المصرية إلى الواجهة مجدداً، مطيحاً هذه المرة بالرئيس محمد مرسي، الذي مر عام كامل على توليه رئاسة الجمهورية، دون أن تفلح جهوده بإنجاز الحد الأدنى من البرنامج الذي فاز على أثره في الانتخابات الرئاسية.
ثمة من يعلق على إجراءات القوات المسلحة المصرية لعزل الرئيس مرسي بأنه انقلاب على الشرعية، في حين يصر الكثيرون على أن إرادة الشعب أطاحت بمرسي، وأن الجيش لم يتدخل في الحياة السياسية، إنما جاءت قراراته انعكاساً للمطلب الجماهيري الشعبي بإقالة الرئيس.
في حقيقة الأمر، لا يمكن الاستهانة بتاتاً بالمد الشعبي التاريخي وإعلان النفير في معظم الساحات المصرية، ذلك أن المتابع للمشهد المصري يلاحظ بسهولة مدى الاستياء الذي تركه حكم مرسي على الجماهير المصرية، لا تعكسه فقط المشكلات السياسية والخلاف الواضح بين الحكومة والمعارضة، وإنما ما يتبع ذلك من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
في 25 يناير 2011، خرج الشعب المصري بالملايين للإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وتدخل الجيش في الحياة السياسية لتجنب مصر كارثة إراقة الدم، وفعلاً عزل الرئيس مبارك وتولى المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي إدارة شؤون البلاد، إلى حين إجراء انتخابات لأول مرة في مصر، فاز فيها ابن جماعة الإخوان المسلمين الدكتور مرسي.
الدكتور مرسي لم يحسن إدارة البلاد وأهل العباد، وأكبر خلاف بين مؤيديه ومعارضيه جرى في شهر تشرين الثاني الماضي، عندما أصدر الرئيس إعلاناً دستورياً منحه صلاحيات واسعة، في حين أثار الكثير من الجدل في ربوع مصر.
وحسناً فعل الجيش حين أمهل الرئاسة المصرية 48 ساعة للاستجابة للمطالب الشعبية، حتى أنه أحسن وضع خارطة طريق للمستقبل، والتي حيد نفسه فيها واقتصر دوره على حماية الشعب ومنع إراقة الدماء واستنساخ نموذج الجزائر في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
قبل أن يتدخل الجيش لحسم الموقف في مصر، استمزج الكثير من الآراء للوصول إلى هذا القرار الذي عطل فيه العمل بالدستور مؤقتاً، وخلع مرسي وكلف رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئاسة البلاد، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
هذه هي الديمقراطية بعينها التي يحق فيها للجماهير والقوى الشعبية أن تعبر عن رأيها بكل الطرق والوسائل السلمية، حتى يتم الاستجابة لمطالبها، ثم إنه لولا تدخل الجيش في مثل هذا الأمر، لكنا مقبلين على صراع مفتوح يقوض الأمن والأمان في مصر.
كان على الرئيس المخلوع مرسي الاستجابة لمطالب الشعب خلال خطاباته، سواء الأخير أو قبل الأخير الذي استبق 30 حزيران بأربعة أيام، فهو لم يستطع إدارة الأزمة في مصر بمسؤولية عالية، وفضل التأكيد في خطاباته وخصوصاً الأخير، على الشرعية ومكتسبات الديمقراطية، دون أن يضع مساراً واضحاً لتطويق الأزمة.
وعلى كل حال يبدو أن هذا الإجراء الجديد وخروج الشعب بهذه الكثافة التاريخية، يشير إلى أن مصر تلفظ جماعة الإخوان المسلمين، ولا تقبل بها طرفاً وحيداً في إدارة شؤون البلاد، وهذا سيؤثر بالتأكيد على حركة الإخوان المسلمين العالمية.
وتعتبر مصر أهم دولة والقاعدة الأساسية لتجمع الإخوان المسلمين، وسقوط هذا الحصن المهم، يضعف الجماعة بشكل عام، وقد يؤدي في المستقبل إلى إسقاط نموذج الإخوان في تونس التي تطالب جماهيرها في هذه الأوقات بضرورة تصحيح الثورة.
ثمة سيناريوهات متوقعة بشأن الحالة المصرية الآن، من بينها حظر جماعة الإخوان المسلمين خوفاً من اندلاع حرب أهلية أو مواجهات دموية، ويعني ذلك ابتعادها تماماً عن المشهد السياسي وعودتها إلى صفوف المعارضة، كما كانت في السابق أيام حكم مبارك.
وهناك خيار آخر يتصل بدمج جماعة الإخوان في العملية السياسية بنظام الشراكة أو المحاصصة استناداً إلى حجمها الجديد في الانتخابات المقبلة، في حين مطروح خيار آخر يتعلق باعتبار مثل هذا الإجراء الذي فعله الجيش، انقلاب كامل بالنسبة للجماعة، يفتح البلاد على صراع دموي، يشبه مشهد عشرية الدم التي حصلت في الجزائر بين الجيش والجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأدت إلى حظر وحل الأخيرة ووقوع مئات الألوف من الجزائريين بين قتيل وجريح.
لكن مثل هذا السيناريو الأخير يصعب تحقيقه في مصر لعدة اعتبارات، أولها أن الجيش المصري والذراع الأمنية بمختلف أدواتها، تراقب نشاط جماعة الإخوان منذ زمن طويل، وثانياً هي حالياً تضيق على الجماعة وتعتقل بعض كوادرها، خوفاً من انزلاق البلاد في حرب أهلية.
والشيء الآخر وهو الأهم، أن الدكتور مرسي استلم رئاسة الجمهورية في مصر عبر صناديق الاقتراع، ومارس حكمه عاماً كاملاً، دون أن يحقق مطالب الجماهير ومدخلاً البلاد في أزمة حقيقية، بينما في الجزائر الوضع مختلف تماماً، ذلك أن العسكر هناك ألغى نتائج الانتخابات وحظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
هذا يعني أن الناس في مصر جربت حكم الإخوان، وهي اليوم تقدم رسالة بالغة الأهمية أنها ترفض حكم "المرشد"، ولا تقبل المساومة على مصيرها، وعلى الأرجح أن تشهد البلاد بعض القلاقل لأن جماعة الإخوان لن يستسلموا بسهولة ولن يقبلوا أو يعترفوا بإجراءات الجيش.
لقد قدمت مصر درساً عظيماً في الديمقراطية، فحين يخرج الشعب ويعبر عن رأيه بالوسائل السلمية، فإن هذه قمة الديمقراطية ولا غبار على قوة وسلطة وشرعية الشعب، لأنه في النهاية مصدر السلطات، وينبغي فلسطينياً الاستفادة من تجربة مصر في الديمقراطية.
صحيح أن وضعنا مختلف كثيراً عن مصر، لكن أمامنا احتلال همجي و"قذر"، وخلفنا انقسام مذل ومكسر لإرادتنا، وإلى اللحظة لم يتم حسم هذا الخلاف الذي مضى عليه ستة أعوام، دون أن نحقق أي إنجاز ملموس على هذا الصعيد.
انتظرنا الفصائل المتصارعة سنين كثيرة، لم تستطع خلالها التوحد في خندق واحد، ويبدو أن من المهم الاستفادة من نموذج مصر في أهمية تفعيل الدور الشعبي في وجه الطغيان والاحتلال والانقسام، وفعلاً إذا أردنا إسقاط هذه اللعنة ليس علينا سوى بالفعل الشعبي.
متى يأتي دورنا لنقول كلمتنا في من نحب ومن نكره، ولننتصر على الانقسام ونطالب فصائل الصراع العودة عن هذا الفعل "الشيطاني"، حتى نتفرغ كلياً للنضال ضد الاحتلال وكل مواجهاته الفاسدة التي من شأنها القضاء على هويتنا ووحدتنا ومستقبل دولتنا؟؟
انشر الموضوع واضفط اعجبنى :

إرسال تعليق