تطور المسرح النسائى السعودى ممثلات بدون حجاب

الاثنين، 8 فبراير 20160 التعليقات

تطور المسرح النسائى السعودى ممثلات بدون حجاب
يبدو أن المملكة العربية السعودية باتت تسعى في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز إلى التقارب الثقافي مع الغرب، حيث يتم في المملكة استخدام موقع تويتر ببهجة وسرور، وكذلك يستخدم السعوديون البريد الإلكتروني ويعرضون أعمالاً مسرحية - وهذا يشمل منذ فترة طويلة النساء أيضا. ولكن ما مدى هذا التقارب الثقافي؟ الصحفي الألماني جوزيف كرواتورو يجيب على هذا التساؤل في مقاله التالي لموقع قنطرة.
من الواضح أيضًا في المجال الثقافي أنَّ الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود يواصل مسيرة الإصلاح التي بدأها سلفه، الملك عبد الله. إذ إنَّ عادل الطريفي، الذي تم تعيينه من قبل العاهل السعودي -البالغ من العمر نحو ثمانين عامًا- "وزيرًا للثقافة والإعلام"، لا يزال عمره خمسة وثلاثين عامًا فقط وهو حتى الآن أصغر شخص في هذا المنصب.
ومثل أسلافه في هذا المنصب وبعض السياسيين السعوديين البارزين، فقد درس الطريفي أيضًا في الغرب. حيث أنهى أولاً دراسة الهندسة في ألمانيا وعمل لفترة قصيرة لدى شركة سيمنس، غير أنَّه تحوَّل بعد ذلك إلى العلوم السياسية، وقد حصل من معهد لندن للاقتصاد في عام 2012 إلى جانب عمله كصحفي على الدكتوراه عن رسالته حول "دور هويَّات الدولة في عملية صنع القرارات السياسية الخارجية: التقارب السعودي-الإيراني 1997-2009" - وهذا موضوع لا يزال مثل ذي قبل مثيرًا للجدل، وذلك لأنَّ العلاقات بين الرياض وطهران قد وصلت مؤخرًا إلى هاوية جديدة.
مساهمات عادل الطريفي الصحفية الغنية بالمعلومات حول السياسات الشرق أوسطية ساعدته على الصعود بسرعة في السلم الوظيفي. وبعد شغله مناصبَ قيادية من بينها في قناة العربية التلفزيونية السعودية الدولية، كان أخيرًا رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي تصدر في لندن.
أمَّا ترقيته إلى وزير للثقافة والإعلام فيتم تفسيرها على أنَّها مؤشر يشير إلى أنَّ هناك إعادة هيكلة منتظرة في المشهد الإعلامي السعودي. وهذا الصحفي الذي عاد بعد عدة أعوام قضاها في الخارج إلى الوطن في بداية هذا العام، وجد البلاد تمر في مرحلة تغيير. ففي المرحلة الأخيرة من عهد الملك عبد الله أصبح السعوديون مصابون بحمى الإصلاحات، التي تشمل الكثير من مجالات الحياة ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.
قد شجَّعت الحكومة شعبها على المشاركة في الثورة الرقمية. وحتى وإن كان الإنترنت يخضع في السعودية للفلترة، فقد أصبحت الصفحات الخاصة على موقعي فيسبوك وتويتر أمرًا بديهيًا بالنسبة للكثيرين في البلاد، وكذلك أصبح النشر على الإنترنت. ومع ذلك لا يتم التسامح مع الانتقادات الموجَّهة إلى سياسة الأسرة المالكة، ومنذ تشديد قانون الصحافة في عام 2011 أصبحت هذه الانتقادات تتم معاقبتها أكثر من ذي قبل.
وفي هذا الصدد أثارت على سبيل المثال قضية المدوِّن رائف بدوي الانتباه على مستوى دولي. وعلى الرغم من جميع الاحتجاجات فإنَّ هذا المدوِّن لا يزال مهدَّدًا بالمزيد من الجلدات. وهناك أيضًا ضحية أخرى من ضحايا الرقابة السياسية، غير أنَّه في المقابل غير معروف كثيرًا في الخارج وأكبر بكثير من رائف بدوي، وهو الإعلامي زهير كُتْبي الذي يحظى بتقدير كبير في داخل البلاد كما أنَّه منذ شهر تمُّوز/يوليو 2015 رهن الاعتقال - من دون ذكر أية أسباب.
أهداف غير واضحة
وعلى الرغم من كلِّ الرقابة فإنَّ المشهد الإعلامي السعودي أصبح اليوم أكثر حيوية من أي وقت مضى. في المملكة العربية السعودية يوجد نحو ألفي صحيفة إلكترونية، لا يمتلك سوى ثلثها فقط تصاريح سارية المفعول. وهذا على الأقل بحسب رؤية وزارة الثقافة والإعلام السعودية، التي أثارت مؤخرًا الانتباه من خلال الإعلان عن نيَّتها إغلاق العديد من هذه المواقع والمنتديات على الإنترنت. وتبرِّر الوزارة ذلك بأنَّ قسمًا كبيرًا من هذه المواقع لا يُلبِّي المصالح الوطنية في المملكة من خلال تركيزه على القضايا القبلية المحلية. وبحسب الوزارة كثيرًا ما يكون القائمون على هذه المواقع غير مؤهلين صحفيًا بصورة كافية.
ومع ذلك فإنَّ رحلات الوزير عادل الطريفي الكثيرة -بالإضافة إلى أنَّه عيَّن رؤساء تحرير أخرين في الصحف السعودية الأكثر أهمية- وكذلك التفاصيل التي عُرفت حول محادثاته مع المسؤولين في قنوات التلفزيون المحلية، تدعنا نستنتج أنَّه يسعى في البداية وقبل كلِّ شيء إلى المزيد من الاحتراف في المشهد الإعلامي السعودي الذي تطوَّر بشكل عفوي.
ومع الأسف تبقى التساؤلات -التي وجَّهتها صحيفة حول الخطط في هذا المجال وحول سياسة الرقابة وكذلك مصير الصحفيين المسجونين رائف بدوي وزهير كتبي إلى سعود كاتب المُتحدِّث باسم وزارة الثقافة والإعلام السعودية الذي يستخدم موقع تويتر ببهجة وسرور- من دون أية إجابة.
وهكذا يبقى من غير المعروف ما هي الأهداف المحدَّدة، التي يسعى لتحقيقيها الآن وزير الثقافة والإعلام الجديد في المجال الثقافي، الذي يرعاه منذ عام 2011 وبشكل رئيسي "نائبُه للشؤون الثقافية" ناصر الحجيلان الأكبر منه سنًا بنحو عشرين عامًا والذي حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الثقافية من الولايات المتَّحدة الأمريكية. وتحت رعايته تم في الأعوام الأخيرة دعم العمل الثقافي في البلاد بشكل كبير.
وبشكل رئيسي يتم توجيه العمل الثقافي في السعودية من قبل مؤسَّستين: تتولى الأندية المعروفة باسم "الأندية الأدبية" رعاية الشعر والأدب وهي منتشرة في ست عشرة مدينة سعودية؛ ومن ناحية ثانية تهتم "الجمعية السعودية للثقافة والفنون" برعاية الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والفلكلور، كما يوجد لها أيضًا ستة عشر فرعًا. وعلى العكس من هذه الأخيرة فإنَّ الأندية الأدبية تشهد تغييرًا هيكليًا، منذ أن بات مسموحًا لها لأوَّل مرة في عام 2011 اختيار مجالسها الإدارية بحرية.
بات يوجد الآن من بين أعضاء مجالس إدارة الأندية الأدبية نساءٌ أيضًا، وبالإضافة إلى ذلك أشخاصٌ لا يتناسبون مع طبيعة الأدباء السعوديين، وقد أثار ذلك جدالات وأدَّى إلى انسحاب بعض من أعضاء هذه الأندية.
ليس فقط المسرح السعودي
وكذلك لقد ثارت اضطرابات أيضًا بسبب استقالة المسؤول عن الأندية الأدبية في وزارة الثقافة والإعلام السعودية في نهاية شهر نيسان/أبريل 2015، وحتى الآن لم يتم تعيين أي خليفة له بعد. وبما أنَّ الوزارة باتت تُفضِّل أن تطلق على هذه الأندية اسم "الأندية الأدبية الثقافية"، فإنَّ هذا يجعلنا نتوقَّع أنَّ نطاق عملها يُفترض أن يتم توسيعه، وذلك ربما بغية إدخال السياسة فيها بحسب مفهوم الحكومة وكذلك من أجل مخاطبة الشباب بصورة مباشرة، خاصة وأنَّ المرء يسعى في المملكة العربية السعودية وفي أماكن أخرى من العالم العربي إلى حمايتهم من الانزلاق نحو التطرُّف.
تركت روح الإصلاح بصماتها أيضًا على فعاليات "الجمعية السعودية للثقافة والفنون". فمنذ فترة طويلة باتت تشارك هنا أيضًا نساء، يتم تنسيق كلِّ نشاط من أنشطتهن من قبل "لجنة المرأة". وقبل بضعة أعوام قامت ممثِّلات سعوديات هواة بتأسيس فرق مسرحية خاصة في العديد من المدن السعودية، وأصبحن يعرضن -فقط أمام جمهور من النساء- أعمالاً مسرحية، تتناول المشكلات اليومية للمرأة السعودية. وحول هذه الأعمال كتبت مرارًا وتكرارًا صحيفة "الرياض" الحكومة تقارير إيجابيةً.
وعلى سبيل المثال تم عرض مسرحية من أحدث هذه المسرحيات في شهر تموز/يوليو 2015 في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، ناقشت موضوع العنف الأسري. وعلى الرغم من الإشارة عند مدخل المسرح إلى عدم السماح بتصوير العروض النسائية، إلاَّ أنَّ التلفزيون السعودي قد بثَّ موجزًا عن هذه المسرحية. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم على الصفحات الثقافية في صحيفة "الرياض" نشر صور لبعض الممثِّلات والمخرجة من دون حجاب
ونظرًا إلى زيادة شعبية المسرح النسائي، الذي لا يُسمح بزيارته إلاَّ للنساء فقط، فقد دعت هذه الصحيفة في بداية شهر آب/أغسطس 2015 إلى "عروض مسرحية لكلِّ الأسرة" - وهذه إشارة تشير إلى إمكانية السماح قريبًا في المملكة العربية السعودية أيضًا بدخول الرجال والنساء سوية إلى المسرح.
مهرجان عكاظ
وفي شهر آب/أغسطس 2015 أثناء فعاليات مهرجان عكاظ السنوي في مدينة الطائف بالقرب من مكة المكرمة، لم يكن بالإمكان إغفال التحوُّل الثقافي، الذي يُمثِّل ضمنه المسرحُ السعودي مجرَّد مثال واحد فقط. وضمن سياق هذا الحدث، الذي يرتبط بمهرجانات الشعر العربي ولقاءات الشعراء التقليدية المعروفة من العصور الوسطى، تم عرض مسرحية مدتها ساعة، ظهر في بدايتها الشاعر العربي الجاهلي الأسطوري لبيد بن ربيعة وهو لا يزال شابًا، وألقى قصيدة من قصائده (بحسب الروايات لم يدخل لبيد الإسلام إلاَّ في فترة متأخرة، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا الموضوع لم تتم مناقشته في هذه المسرحية).
ثم ظهر على خشبة المسرح مع موسيقى راقصة راقصون يرتدون ملابس غربية، أعلنوا عن أبطال المسرحية الحقيقيين، وهم: الكاتب الأمريكي اللبناني أمين الريحاني (1876 حتى 1940)، وزميله العربي نوفل والمستشرقان الفرنسيان الشهيران تشارلز هوبر وأنطوان-إسحاق سيلفستر دي ساسي، اللذان استعانا على خشبة المسرح بالريحاني فيما يخص قسمًا من قصيدة للشاعر لبيد. ومؤلف هذا العمل المسرحي، الكاتب السعودي صالح زمانان، أرسل هؤلاء الأربعة في رحلة عبر الزمن. وفي ذلك التقوا بالشاعر المُسن لبيد، الذي واصل متفلسفًا عبر الشعر كتابة هذا القسم من قصيدته المكتوبة في سنوات شبابه.
وهذان المستشرقان الغربيان المعروضان في هذه المسرحية، واللذان يعتبران لدى المحافظين العرب من الشخصيات البغيضة، أثارا إعجاب الجمهور من خلال سعة اطلاعهما: وهذا التقدير الذي لقياه في الطائف على هذا النحو، ينطبق من دون ريب على كلِّ الغرب، الذي تحاول المملكة العربية السعودية التقرُّب منه ثقافيًا بحماس متزايد.

 قنطرة
انشر الموضوع واضفط اعجبنى :

إرسال تعليق