حركة النهضة التونسية تعانى من خلافات وانشقاقات قياداتها

الاثنين، 22 فبراير 20160 التعليقات

حركة النهضة التونسية تعانى من خلافات وانشقاقات قياداتها
تحاول قيادات حركة النهضة التونسية احتواء الخلافات والانشقاقات داخل الحركة وتقريب وجهات النظر واقتسام الغنائم لكن الواقع يؤكد ان القادم اسوأ
في خطوة غير معتادة في حركة النهضة، ولأوّل مرّة تقريبا، تصعد الخلافات الداخليّة للنهضة إلى السطح على لسان بعض قياداتها، هل بدأت معركة ليّ الذراع والاشتباك قبل انطلاق المؤتمرات الجهويّة المحطّة الأخيرة قبل مؤتمر الحسم.
مؤخرا وبشكل لافت جدًّا، حرص نائب رئيس النهضة عبد الحميد الجلاصي في أكثر من حوار صحفي على الحديث عن تباينات بين قيادات النهضة ملتزما بأنّها لن «تُسبّب إرباكا للمشهد السياسي في البلاد»، كما جاء في ذلك في حديثه الاخير لصحيفة الشروق التونسية
تصريحات الجلاصي كان يُمكن أن تعطي صورة إيجابية عن حركة تعيش مخاضا ديمقراطيا مؤسساتيا داخليا يحل بانضباط الأقلية لقرار الأغلبية إن لم تتنزل في سياقين عام وخاص لا علاقة لهما بالمسألة الديمقراطية بل بتطور الحركة الذي اقترن بصراع عنيف بين ما يعرف بالتنظيم والخط السياسي.
الجلاصي اعلن بوضوح الحرب على الغنوشي كما يرى المتابعون منذ فترة طويلة وقبل بداية مسلسل المؤتمر.

أبرز المحطات كانت لجنة الانتخابات التي حوّلها المنسق العام للحركة وقتها الى مكتب تنفيذي مواز قبل أن تتحطم احلامه على صخرة الانتخابات بحلول النهضة في المرتبة الثانية وإغلاق كل ملفات المحاسبة والمساءلة على الأخطاء المرتكبة ومنها الاحتفال بالنصر في آخر اجتماع انتخابي ألقى فيه مدير الحملة خطابا فرجويا بشر فيه بالدماء والدموع !!.
فشل لجنة الانتخابات في الهيمنة على الحركة تحوّل الى ماكينة ضخمة لمساندة المرزوقي في الانتخابات الرئاسية ضد منافسه الباجي قائد السبسي، رغم قرار الحياد ووجود تفاهمات متقدّمة على صياغة مرحلة توافقية بين النداء والنهضة، وقتها كان من اللافت حرص الجلاصي على كشف اللقاءات «غير المعلنة» بين الشيخين في محاولة للإحراج او تسليط الضغط، رغم التوافق بين الطرفين على تركها بعيدة عن الأنظار، وهو توافق يعلمهُ الكثيرون ومن بينهم الجلاصي دون شكّ.
فشل الرهان على المرزوقي كما كان متوقعا ولكن نجح الرهان في إظهار الغنوشي في مظهر القائد المعزول عن «شعب النهضة»، ولكن دون جدوى لأنّ الخط السياسي نجح في النهاية في امتصاص الصدمة وإصلاح ما أفسدته «ماكينة الجلاصي».
المحطة الأبرز في حرب الجلاصي على راشد الغنوشي كانت دون ريب في استقالته المفاجئة التي جاءت ساعات بعد الإعلان عن حكومة الصيد الاولى التي لم تشارك فيها النهضة.
تصوّر عبد الحميد الجلاصي أنّ الخط السياسي مني بالهزيمة وأنّ مجلس الشورى سيفتكّ برئيس الحركة، وهو ما يفسر تسريب الاستقالة في ظروف غامضة ومحاولة إلصاقها بالمستشار السياسي لطفي زيتون، والمفاجأة كانت في الإعلان عن حكومة التوافق وترحيب النهضة بها ليجد المناكفون أنفسهم في التسلل وليختاروا سياسة الهروب الى الامام بمحاولة «شخصنة الصراع» بإثارة مواضيع داخلية رأى فيها العقلاء «محاولة انقلابية» يائسة.
توجيه اتهامات أو إثارة شبهات حول طرق التسيير وجدت سخط النهضويين، خاصة بعد أن تبيّن أنّ الهدف منها ليس الانتقال من عصر الأب المؤسس الى بناء مؤسسات ديمقراطية من القاعدة الى القمة بل تسليم النهضة الى «مجموعة» من القيادات تشرف على ترتيب مرحلة مابعد الغنوشي قبل رحيله الرسمي من رئاسة الحركة، وتمنع تكرار ما يعتبرونها أخطاء ارتكبها «الشيخ» في السنوات الاخيرة حين وضع كل ثقله لاسقاط قانون العزل السياسي واقرار خارطة الطريق والتوافق مع السبسي الذي أنهى حرب داحس والغبراء بين النهضة والنداء وجنب تونس السيناريو المصري، إضافة إلى التقدّم في مصالحة الإسلاميين مع دولتهم بعد عقود الصراع والصدام والجفاء.
هل هو مجرد الطموح الشخصي وصراع التموقع في المستقبل فقط؟
قد يكون هذا هو حال بعض القيادات، ولكن المسألة قد تبدو أعمق من ذلك بكثير، فالنهضة الان تعيش صراعا واضحا بين خط سياسي يدفع في اتجاه التطبيع مع الدولة والمجتمع، وتنظيم تقلمت أظافره بعد مؤتمر 1995 الذي أنهى الى الأبد عصر التنظيم الخاص الذي سمم الاحزاب الاسلامية وجرها الى العنف. يومها هدد الغنوشي بالاستقالة إن انجرّت النهضة الى العمل المسلح، في مواجهة قمع نظام بن علي لتكون بذلك اول حركة اسلام سياسي ترفض الانجرار الى مستنقع العنف الشامل في ذروة العمل المسلح ضد اغلب الأنظمة القائمة في العالم العربي وقتها.
طوت النهضة عصر «التنظيم الخاص» وها هي اليوم تعيش الصراع الأخير والأبرز في تاريخها بين خط سياسي يفترض أن يحولها الى حزب عصري وطني مفتوح وتنظيم منغلق حتى على أجيال من ابناء الحركة دون الحديث عن المواطن العادي الذي لا حق له في الانخراط الحر والتدرج الديمقراطي في هياكل حزب مدني عصري.
هذه هي خلاصة الصراع / الحرب التي يقودها رجل يسميه البعض «خيرت الشاطر النهضة» أي الرجل القوي الذي يتحكم ويحكم وراء زعيم / واجهة، كما يرى كثيرون، رغم إلحاح الجلاصي على انه يخوض معركة من أجل التطوير الداخلي.
والسؤال المطروح هو : الى اي مدى سيذهب الجلاصي في حربه على الغنوشي؟ ومن من القيادات سيُجاريه في هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر مع تبلور رأي عام داخلي وخارجي لا يرى أي مستقبل لأحزاب الإسلام السياسي إلاّ بتحوّلها من تنظيمات منغلقة إلى احزاب عصريّة لها ماكينات تأطير قويّة تستقطب أوسع الشرائح الممكنة وخاصة الشباب على قاعدة المواطنة والتصدّي للفكر المتطرّف والمنحرف.
وهل ستنجح محاولات الجلاصي الاستباقية توقيا من هزيمة الصقور في مؤتمر يدفع ابناء النهضة الى ان يكون المؤتمر الاول لحزب عصري وطني منفتح وليس العاشر لحركة لم تنجح بعد في القطع مع عقلية التنظيم وموروث مواجهة الاستبداد.
الحرب بين الصقور والخط السياسي لن تكون عادية وسيكون لها دون شك تأثير في مشهد سياسي منفتح على كل الاحتمالات المرتبطة في الواقع بما سيفرزه المؤتمر المنتظر من نتائج.
انشر الموضوع واضفط اعجبنى :

إرسال تعليق