كتبت صحيفة “الاخبار اللبنانية “انقلاب الفجر، هي التسمية الأكثر دقة لسلسلة الأوامر الملكية، الثالثة من نوعها في عهد الملك سلمان. أطاحت مقرن، وجعلت محمد بن نايف ولياً للعهد، ووضعت محمد بن سلمان على سكّة المُلك. كانت أشبه برصاصة الرحمة على ما بقي من إرث الملك الراحل عبد الله، وتطرح تساؤلات عن مصير ابنه متعب. تعبير عن صراع يعتمل داخل الأسرة الحاكمة، وتعكس شخصنة للسلطة التي باتت في عهدة «الصبية»
أجهز الملك سلمان أمس على ما تبقى من تركة سلفه عبدالله، بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، بعدما كان الضمانة الوحيدة لوصول الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني، إلى العرش… وبذلك تصبح المملكة السعودية خاضعة بالكامل لسلمان وابنه محمد، وزير الدفاع وولي ولي العهد ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، وابن شقيقه محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية ورئيس لجنة الشؤون السياسية والأمنية.
وفي سابقة في تاريخ الدولة السعودية يتمّ إعفاء ولي العهد من منصبه، إذ لم يصل الخلاف الذي نشب بين سعود وفيصل في مطلع الستينيات من القرن الماضي إلى حدّ إعفاء سعود لأخيه فيصل من منصبه، ولكن سلمان فعل ذلك رغم أن الأمر الملكي رقم أ/86 الصادر عن الملك عبدالله بتاريخ 28 آذار 2015 ينص على أن أمر تعيين مقرن في ولاية العهد «لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقّعة منّا ومن أخينا سموّ ولي العهد..» أي سلمان. ومن الواضح أن هذه الفقرة كان يراد منها قطع الطريق على الملك، بعد عبدالله، في إجراء أي تعديل، إذ لا يمكن تصوّر حصوله في عهد الملك عبدالله.
تجدر الإشارة إلى أن من بين الأوامر الملكية الأربعة والعشرين التي صدرت أمس، هناك أربعة أوامر تثير إهتماماً خاصاً وهي: إعفاء مقرن من ولاية العهد، وسعود الفيصل من وزارة الخارجية، وتعيين محمد بن نايف ولياً للعهد، ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد.
ما يلفت في الأمر الملكي الخاص بإعفاء مقرن (رقم أ/90) من ولاية العهد أنّه جاء على «كتاب» مؤّرخ في (10 رجب 1436هـ الموافق لـ29 نيسان 2015) أي في اليوم نفسه الذي صدر فيه أمر الإعفاء، بل بعد ساعات قليلة من تقديم الكتاب للملك، ما يثير سؤالاً حول السرعة في الاطّلاع على «طلب الاعفاء» وتنفيذه الفوري، الأمر الذي يتجاوز الإجراء الشكلي، وأنه يومئ إلى صدوره قبل هذا التاريخ، وأن «كتاب» مقرن مجرد تحصيل حاصل.
في قرار تعيين محمد بن نايف ولياً للعهد ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد ليس ثمة جديد، ولكن ما يلفت أن تعيين الأخير في منصبه الجديد جاء على «توصية» من محمد بن نايف لتفادي «الإحراج» الشكلي وسط العائلة المالكة، ليوحي وكأن الملك سلمان لم يكن ليختار ابنه لهذا المنصب لولا التوصية التي رفعها ولي العهد الجديد، وهذه سابقة أيضاً في تاريخ الدولة السعودية الحديثة. فقد تطلّب تعيين محمد بن سلمان تقديم «شهادة حسن سيرة وسلوك»، إذ أشاد الملك بابنه الشاب، وقال ما نصّه: «نظراً لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ولما يتصف به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز من قدرات كبيرة – ولله الحمد – والتي اتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن – بتوفيق من الله – من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به سموّه من صفات أهّلته لهذا المنصب، وأنه – بحول الله – قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا المنصب، وبناءً على ما يقتضيه تحقيق المقاصد الشرعية، بما في ذلك انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم، فإن سموّه يرشّح سموّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ليكون ولياً لولي العهد». وأضاف إلى تلك الشهادة «تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموّه ليكون ولياً لولي العهد».
التأمل في عبارات الإطراء يظهر أن سلمان يرد على منتقدي ابنه في الأسرة المالكة بدرجة أساسية في إدارة ملف الحرب على اليمن، ما اضطره إلى أن يقدم تلك الشهادة ذات الطبيعة الدفاعية والإطرائية لناحية تبرير قرار التعيين، خصوصاً قوله «تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبارآخر» لنفي الاعتبار الشخصي.
نشير إلى أن التقديمات الاجتماعية في الدفعة الأخيرة من الأوامر الملكية اقتصرت على العاملين في القطاعين العسكري والأمني، والغاية واضحة: ترسيخ سلطة محمد بن نايف وزير الداخلية، ومحمد بن سلمان، وزير الدفاع.
دلالات الأوامر الملكية الجديدة
ـ ان ثمة أزمة حكم في البيت السعودي. فحجم الأوامر الملكية ونوعها ودلالاتها في غضون ثلاثة شهور منذ تولي سلمان العرش تعبّر عن أزمة الدولة السعودية. تأتي الدفعة الثالثة من الأوامر الملكية (الأولى كانت في يوم وفاة الملك عبدالله في 22 كانون الثاني، والثانية في 29 كانون الثاني)، في سياق عملية تقويض ممنهجة لتركة الملك عبدالله. الدفعات الثلاث لا تقتصر على شكل السلطة، بل تطاول بنية السلطة وجوهرها. وبخلاف دعوى نقل السلطة إلى «جيل الشباب» لتبرير تعيين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في منصبين سياديين على مقربة من العرش، فإن الأوامر الملكية تستهدف تركيز السلطة وليس نقلها، إذ باتت الدولة السعودية بكامل حمولتها في عهدة بيت سلمان بدرجة أساسية، ومحمد بن نايف، فيما أصبح أبناء الأمراء الكبار، سواء في الجناح السديري (فهد، سلطان، أحمد..) أو أبناء عبدالله (متعب، تركي، عبد العزيز..)، دع عنك آلاف الأمراء في الأسرة المالكة، خارج معادلة السلطة.
على أيّ حال، فإن إعفاء مقرن يجعل سلمان الملك المطلق، وهو وحده يدير لعبة السلطة الآن وفي المستقبل، إذ لن يكون هناك منافسون، لا من جناح عبدالله ولا من أي أجنحة أخرى داخل آل سعود.
ـ وضع حدّ للتباينات داخل العائلة المالكة حول العدوان على اليمن، بعد ظهور مؤشرات على معارضة أمراء للمقاربة العسكرية منذ البداية واستفراد محمد بن سلمان بقرارات الحرب والسلم. مقالة راغدة درغام في صحيفة (الحياة) لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، حول القرار 2216 الخاص باليمن تحت الفصل السابع، في 24 نيسان الجاري تشير، في الحد الأدنى، إلى تباين المقاربات بين الأمراء، وتلفت إلى الغاية من الانتقال من «عاصفة الحزم» إلى «استعادة الأمل» التي وصفتها بـ«استراتيجية خروج» وأنها «كانت ضرورية لتجنّب الانزلاق إلى مستنقع بري في اليمن، لا سيما بعدما بات واضحاً أن لا مصر ولا باكستان جاهزتان للتورط بقوات برية في اليمن». درغام لمّحت إلى ما كان يتداوله أمراء آل سعود في السر عن «الاستعجال» الذي وقع عندما بدأت «عاصفة الحزم»، وأن «العملية لم تجهّز الناحية البرّية من الحرب في اليمن، ولم تضع خطة «باء» في حال عدم توافر الجيوش البرية. فالغارات الجوية وحدها لم يكن لها أن تنجزالمهمة العسكرية مهما كانت مكثفة». أسهبت درغام في نقد الاستراتيجية العسكرية السعودية في «عاصفة الحزم»، وأن المسؤول عن قرار الحرب، أي محمد بن سلمان، لم يكن على دراية كافية بقواعد الحروب، وشدّدت على الإرباك المبكّر في بنية التحالف العشري، لا سيما «عبر إعلان انتماء باكستان إلى «التحالف» ليليه رفض باكستان الانخراط فيه». بدا المقال كما لو أنه «سرديّة» عسكرية من نوع خاص، إن لم يكن بمثابة خلاصة لجلسة مكثفة مع خالد بن سلطان وأمراء آخرين لديهم مقاربة مختلفة عن تلك التي لدى وزير الدفاع محمد بن سلمان..
ـ احتواء تداعيات فشل العدوان على اليمن، الأمر الذي يتطلب «تماسك» الجبهة الداخلية في حال تقرر وقف الحرب دون تحقيق منجزات ميدانية يمكن التعويل عليها. صدور أوامر ملكية بهذه الحساسية والخطورة وفي هذا التوقيت على وجه التحديد يندرج في سياق تأويلي مختلف. في الأحوال الاعتيادية، يصبح مثل الإعفاءات والتعيينات تلك مألوفاً، ولكن حين تصدر في وقت الحرب تأخذ دون ريب معنى آخر، وتعكس أزمة داخلية تستدعي مثل هذا الإجراء العاجل.
ـ ان الأوامر الملكية أخذت إلى حدّ كبير طابعاً شخصياً، وأن سلمان تجاوز الأعراف السائدة فيما يرتبط بالمناصب السيادية، وفرض معيار الولاء له شخصياً وليس الولاء للعائلة المالكة. ظهر ذلك بوضوح في الدفعة الثانية من الأوامر الملكية التي اختار فيها وزراء على ولاء له ولابنه محمد بن سلمان، وها هو يؤكّد ذلك في الأوامر الجديدة. عادل الجبير، وزير الخارجية الجديد، تجاوز، على سبيل المثال، الآليات المعتمدة في عمل السفراء وصار يرسل تقاريره إلى الملك مباشرة دون الرجوع إلى مسؤوله المباشر، أي سعود الفيصل، ما يعزّز فكرة الولاء الشخصي، من بين أفكار أخرى ينطوي عليها تعيين الجبير في منصب وزير الخارجية.
التأمل في الأوامر الجديدة يوصل إلى نتيجة مفادها أن سلمان دخل مع الأميركي في ترتيبات السلطة، وتقوم على انتقاء أشخاص مقرّبين من واشنطن (مثل وزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الخارجية عادل الجبير) في إطار صفقة تشمل تعيين محمد بن سلمان في منصب ولي ولي العهد وإعفاء مقرن وتالياً تهميش جناح عبدالله.
يثبت سلمان أنه على استعداد لتقديم ما لم يقدّمه سلفه للأميركيين من أجل إعادة ترميم التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن، وإن الوجوه الجديدة التي جاء بها تؤكّد هذا المنحى؛ فوزير الداخلية محمد بن نايف يحل محل بندر بن سلطان، ووزير الخارجية الجديد عادل الجبير يتولى مكان سعود الفيصل، وبالتالي أصبح ملفا الداخلية والخارجية في العهدة الأميركية.
السيناريوات المحتملة في المرحلة المقبلة سوف تأتي في السياق نفسه الذي بدأه سلمان منذ الساعات الأولى لاعتلائه العرش، وهناك سيناريوان مطروحان في الوقت الراهن:
ـ الأول: تنحّي الملك عن السلطة وتعيين محمد بن نايف ملكاً ومحمد بن سلمان ولياً للعهد، على أن يصبح سلمان رئيس مجلس العائلة من أجل ضمان انتقال سلس وهادئ للسلطة برعايته الشخصية، وبما يحول دون تفجّر خلافات مستقبلية. قد يكون هذا الإجراء مخرجاً مثالياً لاحتواء مبكر لصراعات داخل العائلة يشارك فيها الأمراء المتضررون من احتكار السلطة من قبل أبناء سلمان ونايف.
الثاني: إلغاء وزارة الحرس الوطني وإعفاء الأمير متعب من منصبه كوزير للحرس، وإلحاقها بوزارة الدفاع التي يتولاها محمد بن سلمان، فيما يتولى متعب منصباً شرفياً. كان الأمر الملكي بنقل الحرس الوطني إلى الحدود مقصوداً، وقد أجابت الأوامر الملكية الجديدة عن أسئلة رئيسية حول الغرض من هذه الخطوة، ومنها إبعاد الحرس من مركز السلطة لتفادي أي ردود فعل يمكن أن يقدم عليها متعب، وأيضاً وهذا الأهم التمهيد لخطوة أكبر يصبح فيها الحرس الوطني تحت سلطة وزير الدفاع.
رسالة الرئيس الأميركي أوباما إلى الأمير متعب ليست معزولة عن تطوّرات أمس، بل قد تأتي في سياق احتواء ردود فعل متوقّعة من قبل جناح وجد نفسه بلا «ريش» في غضون فترة قياسية”.
أجهز الملك سلمان أمس على ما تبقى من تركة سلفه عبدالله، بإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، بعدما كان الضمانة الوحيدة لوصول الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني، إلى العرش… وبذلك تصبح المملكة السعودية خاضعة بالكامل لسلمان وابنه محمد، وزير الدفاع وولي ولي العهد ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، وابن شقيقه محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية ورئيس لجنة الشؤون السياسية والأمنية.
وفي سابقة في تاريخ الدولة السعودية يتمّ إعفاء ولي العهد من منصبه، إذ لم يصل الخلاف الذي نشب بين سعود وفيصل في مطلع الستينيات من القرن الماضي إلى حدّ إعفاء سعود لأخيه فيصل من منصبه، ولكن سلمان فعل ذلك رغم أن الأمر الملكي رقم أ/86 الصادر عن الملك عبدالله بتاريخ 28 آذار 2015 ينص على أن أمر تعيين مقرن في ولاية العهد «لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقّعة منّا ومن أخينا سموّ ولي العهد..» أي سلمان. ومن الواضح أن هذه الفقرة كان يراد منها قطع الطريق على الملك، بعد عبدالله، في إجراء أي تعديل، إذ لا يمكن تصوّر حصوله في عهد الملك عبدالله.
تجدر الإشارة إلى أن من بين الأوامر الملكية الأربعة والعشرين التي صدرت أمس، هناك أربعة أوامر تثير إهتماماً خاصاً وهي: إعفاء مقرن من ولاية العهد، وسعود الفيصل من وزارة الخارجية، وتعيين محمد بن نايف ولياً للعهد، ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد.
ما يلفت في الأمر الملكي الخاص بإعفاء مقرن (رقم أ/90) من ولاية العهد أنّه جاء على «كتاب» مؤّرخ في (10 رجب 1436هـ الموافق لـ29 نيسان 2015) أي في اليوم نفسه الذي صدر فيه أمر الإعفاء، بل بعد ساعات قليلة من تقديم الكتاب للملك، ما يثير سؤالاً حول السرعة في الاطّلاع على «طلب الاعفاء» وتنفيذه الفوري، الأمر الذي يتجاوز الإجراء الشكلي، وأنه يومئ إلى صدوره قبل هذا التاريخ، وأن «كتاب» مقرن مجرد تحصيل حاصل.
في قرار تعيين محمد بن نايف ولياً للعهد ومحمد بن سلمان ولياً لولي العهد ليس ثمة جديد، ولكن ما يلفت أن تعيين الأخير في منصبه الجديد جاء على «توصية» من محمد بن نايف لتفادي «الإحراج» الشكلي وسط العائلة المالكة، ليوحي وكأن الملك سلمان لم يكن ليختار ابنه لهذا المنصب لولا التوصية التي رفعها ولي العهد الجديد، وهذه سابقة أيضاً في تاريخ الدولة السعودية الحديثة. فقد تطلّب تعيين محمد بن سلمان تقديم «شهادة حسن سيرة وسلوك»، إذ أشاد الملك بابنه الشاب، وقال ما نصّه: «نظراً لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ولما يتصف به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز من قدرات كبيرة – ولله الحمد – والتي اتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي أنيطت به، وتمكن – بتوفيق من الله – من أدائها على الوجه الأمثل، ولما يتمتع به سموّه من صفات أهّلته لهذا المنصب، وأنه – بحول الله – قادر على النهوض بالمسؤوليات الجسيمة التي يتطلبها هذا المنصب، وبناءً على ما يقتضيه تحقيق المقاصد الشرعية، بما في ذلك انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم، فإن سموّه يرشّح سموّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ليكون ولياً لولي العهد». وأضاف إلى تلك الشهادة «تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموّه ليكون ولياً لولي العهد».
التأمل في عبارات الإطراء يظهر أن سلمان يرد على منتقدي ابنه في الأسرة المالكة بدرجة أساسية في إدارة ملف الحرب على اليمن، ما اضطره إلى أن يقدم تلك الشهادة ذات الطبيعة الدفاعية والإطرائية لناحية تبرير قرار التعيين، خصوصاً قوله «تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبارآخر» لنفي الاعتبار الشخصي.
نشير إلى أن التقديمات الاجتماعية في الدفعة الأخيرة من الأوامر الملكية اقتصرت على العاملين في القطاعين العسكري والأمني، والغاية واضحة: ترسيخ سلطة محمد بن نايف وزير الداخلية، ومحمد بن سلمان، وزير الدفاع.
دلالات الأوامر الملكية الجديدة
ـ ان ثمة أزمة حكم في البيت السعودي. فحجم الأوامر الملكية ونوعها ودلالاتها في غضون ثلاثة شهور منذ تولي سلمان العرش تعبّر عن أزمة الدولة السعودية. تأتي الدفعة الثالثة من الأوامر الملكية (الأولى كانت في يوم وفاة الملك عبدالله في 22 كانون الثاني، والثانية في 29 كانون الثاني)، في سياق عملية تقويض ممنهجة لتركة الملك عبدالله. الدفعات الثلاث لا تقتصر على شكل السلطة، بل تطاول بنية السلطة وجوهرها. وبخلاف دعوى نقل السلطة إلى «جيل الشباب» لتبرير تعيين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في منصبين سياديين على مقربة من العرش، فإن الأوامر الملكية تستهدف تركيز السلطة وليس نقلها، إذ باتت الدولة السعودية بكامل حمولتها في عهدة بيت سلمان بدرجة أساسية، ومحمد بن نايف، فيما أصبح أبناء الأمراء الكبار، سواء في الجناح السديري (فهد، سلطان، أحمد..) أو أبناء عبدالله (متعب، تركي، عبد العزيز..)، دع عنك آلاف الأمراء في الأسرة المالكة، خارج معادلة السلطة.
على أيّ حال، فإن إعفاء مقرن يجعل سلمان الملك المطلق، وهو وحده يدير لعبة السلطة الآن وفي المستقبل، إذ لن يكون هناك منافسون، لا من جناح عبدالله ولا من أي أجنحة أخرى داخل آل سعود.
ـ وضع حدّ للتباينات داخل العائلة المالكة حول العدوان على اليمن، بعد ظهور مؤشرات على معارضة أمراء للمقاربة العسكرية منذ البداية واستفراد محمد بن سلمان بقرارات الحرب والسلم. مقالة راغدة درغام في صحيفة (الحياة) لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، حول القرار 2216 الخاص باليمن تحت الفصل السابع، في 24 نيسان الجاري تشير، في الحد الأدنى، إلى تباين المقاربات بين الأمراء، وتلفت إلى الغاية من الانتقال من «عاصفة الحزم» إلى «استعادة الأمل» التي وصفتها بـ«استراتيجية خروج» وأنها «كانت ضرورية لتجنّب الانزلاق إلى مستنقع بري في اليمن، لا سيما بعدما بات واضحاً أن لا مصر ولا باكستان جاهزتان للتورط بقوات برية في اليمن». درغام لمّحت إلى ما كان يتداوله أمراء آل سعود في السر عن «الاستعجال» الذي وقع عندما بدأت «عاصفة الحزم»، وأن «العملية لم تجهّز الناحية البرّية من الحرب في اليمن، ولم تضع خطة «باء» في حال عدم توافر الجيوش البرية. فالغارات الجوية وحدها لم يكن لها أن تنجزالمهمة العسكرية مهما كانت مكثفة». أسهبت درغام في نقد الاستراتيجية العسكرية السعودية في «عاصفة الحزم»، وأن المسؤول عن قرار الحرب، أي محمد بن سلمان، لم يكن على دراية كافية بقواعد الحروب، وشدّدت على الإرباك المبكّر في بنية التحالف العشري، لا سيما «عبر إعلان انتماء باكستان إلى «التحالف» ليليه رفض باكستان الانخراط فيه». بدا المقال كما لو أنه «سرديّة» عسكرية من نوع خاص، إن لم يكن بمثابة خلاصة لجلسة مكثفة مع خالد بن سلطان وأمراء آخرين لديهم مقاربة مختلفة عن تلك التي لدى وزير الدفاع محمد بن سلمان..
ـ احتواء تداعيات فشل العدوان على اليمن، الأمر الذي يتطلب «تماسك» الجبهة الداخلية في حال تقرر وقف الحرب دون تحقيق منجزات ميدانية يمكن التعويل عليها. صدور أوامر ملكية بهذه الحساسية والخطورة وفي هذا التوقيت على وجه التحديد يندرج في سياق تأويلي مختلف. في الأحوال الاعتيادية، يصبح مثل الإعفاءات والتعيينات تلك مألوفاً، ولكن حين تصدر في وقت الحرب تأخذ دون ريب معنى آخر، وتعكس أزمة داخلية تستدعي مثل هذا الإجراء العاجل.
ـ ان الأوامر الملكية أخذت إلى حدّ كبير طابعاً شخصياً، وأن سلمان تجاوز الأعراف السائدة فيما يرتبط بالمناصب السيادية، وفرض معيار الولاء له شخصياً وليس الولاء للعائلة المالكة. ظهر ذلك بوضوح في الدفعة الثانية من الأوامر الملكية التي اختار فيها وزراء على ولاء له ولابنه محمد بن سلمان، وها هو يؤكّد ذلك في الأوامر الجديدة. عادل الجبير، وزير الخارجية الجديد، تجاوز، على سبيل المثال، الآليات المعتمدة في عمل السفراء وصار يرسل تقاريره إلى الملك مباشرة دون الرجوع إلى مسؤوله المباشر، أي سعود الفيصل، ما يعزّز فكرة الولاء الشخصي، من بين أفكار أخرى ينطوي عليها تعيين الجبير في منصب وزير الخارجية.
التأمل في الأوامر الجديدة يوصل إلى نتيجة مفادها أن سلمان دخل مع الأميركي في ترتيبات السلطة، وتقوم على انتقاء أشخاص مقرّبين من واشنطن (مثل وزير الداخلية محمد بن نايف ووزير الخارجية عادل الجبير) في إطار صفقة تشمل تعيين محمد بن سلمان في منصب ولي ولي العهد وإعفاء مقرن وتالياً تهميش جناح عبدالله.
يثبت سلمان أنه على استعداد لتقديم ما لم يقدّمه سلفه للأميركيين من أجل إعادة ترميم التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن، وإن الوجوه الجديدة التي جاء بها تؤكّد هذا المنحى؛ فوزير الداخلية محمد بن نايف يحل محل بندر بن سلطان، ووزير الخارجية الجديد عادل الجبير يتولى مكان سعود الفيصل، وبالتالي أصبح ملفا الداخلية والخارجية في العهدة الأميركية.
السيناريوات المحتملة في المرحلة المقبلة سوف تأتي في السياق نفسه الذي بدأه سلمان منذ الساعات الأولى لاعتلائه العرش، وهناك سيناريوان مطروحان في الوقت الراهن:
ـ الأول: تنحّي الملك عن السلطة وتعيين محمد بن نايف ملكاً ومحمد بن سلمان ولياً للعهد، على أن يصبح سلمان رئيس مجلس العائلة من أجل ضمان انتقال سلس وهادئ للسلطة برعايته الشخصية، وبما يحول دون تفجّر خلافات مستقبلية. قد يكون هذا الإجراء مخرجاً مثالياً لاحتواء مبكر لصراعات داخل العائلة يشارك فيها الأمراء المتضررون من احتكار السلطة من قبل أبناء سلمان ونايف.
الثاني: إلغاء وزارة الحرس الوطني وإعفاء الأمير متعب من منصبه كوزير للحرس، وإلحاقها بوزارة الدفاع التي يتولاها محمد بن سلمان، فيما يتولى متعب منصباً شرفياً. كان الأمر الملكي بنقل الحرس الوطني إلى الحدود مقصوداً، وقد أجابت الأوامر الملكية الجديدة عن أسئلة رئيسية حول الغرض من هذه الخطوة، ومنها إبعاد الحرس من مركز السلطة لتفادي أي ردود فعل يمكن أن يقدم عليها متعب، وأيضاً وهذا الأهم التمهيد لخطوة أكبر يصبح فيها الحرس الوطني تحت سلطة وزير الدفاع.
رسالة الرئيس الأميركي أوباما إلى الأمير متعب ليست معزولة عن تطوّرات أمس، بل قد تأتي في سياق احتواء ردود فعل متوقّعة من قبل جناح وجد نفسه بلا «ريش» في غضون فترة قياسية”.
إرسال تعليق