يقلم / العميد امين حطيط |
و رغم ذلك كانت احلام اميركا و ما يتبعها ، تتكسر المرة تلو المرة من دمشق الى حلب ثم عودة الى دمشق و منها الى القصير ثم عودة الى الجنوب و تيه في الصحراء .. كل ذالك لم يمكن المعتدي من تحقيق ما يصبو اليه من نصر سياسي و استراتيجي ، و لم يحصد في عدوانه الا التدمير و القتل للشعب السوري الذي ادعى كذبا انه جاء من اجله ، و هو حصاد سيضيف الى تاريخ اميركا الاسود في حقوق الانسان و و التعامل مع الدول و الشعوب فصلا جديدا يبز فظاعة ما كان قد كتب فيه لقد اخفقت اميركا اذن طيلة نيف و 26 شهرا من الوصول الى جوهر ما تريد في سورية ،الامر الذي ادخلها في الشهرين الاخيرين في حالة تخبط و ارتباك حيث بدت حائرة بين احد موقفين : اما ان تعترف بواقع الحال و تتجه الى حل يخرجها من الميدان مع شيء من ماء الوجه ، او تستأنف العدوان بمغامرة جديدة تنفذها مع تغيير في الخطط و الادوات من اجل استنقاذ المشروع .. و بين الامرين اختارت اميركا – عندما وحدت المتطوع للتنفيذ – اختارت الحل الثاني و اعلنت انطلاقها تحت عنوان " اعادة التوازن قبل الحل " و بدأ ما اسميناه " المرحلة السعودية من العدوان على سورية .
و الان و بعد ان اندفعت السعودية لتنفيذ هذا الور ضد سورية و محور المقاومة فقد بات عليها ان تواجه اسئلة كبيرة حول الامر منها : هل ان السعودية قادرة على الانجاز و في الواقع المتشكل سوريا و اقليميا بعد ان فشل الاخرون و في ظروف افضل ؟ ثم هل تدرك السعودية الثمن الذي عليها ان تدفعه عند الفشل كما دفع و سيدفع الاخرون ؟ خاصة و انه كان على السعودية ان تدرك ان التغير في موازين القوى ليس لمصلحتها مطلقا ، و انه عندما كان التحشيد بالحجم الذي ذكرناه اعلاه لم يحقق العدوان على سورية مبتغاه الاول ، فهل يعقل بعد كل التصدع و التراجع و التفكك و الوهن الذي اصاب مكونات المشروع ان يحقق النجاح المطلوب و يكفي هنا ان نذكر بالتالي :
1) في البدء كانت اميركا تهدد بمجلس الامن و تامر بالمجازر من اجل الاستثمار في تلك المؤسسة لصالح المشروع ، اما اليوم فقد تغير العالم و لم يعد احد يتحدث عن مجلس امن اميركا بعد اقفاله بالفيتو المزدوج الروسي الصين – ، و الامر ذاته حصل للجامعة العربية و طرد القطري رئيس لجنة ادارة العدوان شر طردة .
2) كانت اميركا قد حشدت 133 دولة خلفها في الجمعية العمومية و في مؤتمر ما اسمي زورا بانه " اصدقاء سورية " و هولت عبر تلك الاجتماعات بقرارات و تهديدات تبدأ و لا تنتهي ، اما اليوم فقد تراجع الجمع الى اقل من 11 دولة و تخطى المدافع موجات العربدة و التهويل و صمد في مواقعه هازئا بما كان يجري و بالتالي لم يعد لهذا السبيل اهمية تذكر .
3) سابقا كان التهويل العدواني بالمناطق الامنة و الحظر الجوي و الممرات الانسانية و و ، عنوانا رئيسيا للحرب النفسية اما اليوم فان اميركا بذاتها تعلن ان كل هذا امور غير قابلة للتطبيق في سورية ف"الوضع معقد "- على حد قول كيري و بعد ان عهد الى السعودية بالملف - و يحول دون اللجوء الى شيء منها .
4) منذ اقل من شهرين و في سلوك فاجر وقح جاهرت دول الغرب بنيتها تسليح المعارضة بالسلاح النوعي المتطور و استعدادها تدريب الارهابيين – بعد ان اجرت تمييزا مثيرا للسخرية بين متطرف و معتدل – و اما اليوم فتراجعت فرنسا و بريطانيا صراحة عن هذا الالتزام ، و بدأـ اميركا تبدي الصعوبات و التبريرات لعدم التنفيذ ، نقول هذا فقط للتدليل على شان معنوي و نحن نعرف ان تسليح الارهايين كان قائما قبل الاعلان و سيستمر بصورة او اخرى بعده و لكن للاعلان عن التراجع عن التسليح وقع لا يقل اهمية عن التسليح الفعلي ذاته .
5) قبل شهر من الان كان "الاخوان المسلمون" قد وصلوا لى قناعة بان هلالهم من افريقيا الى أروبا عبر اسيا ( انطلاقا من تونس و ليبيا الى مصر و منها الى تركيا عبر غزة و الاردن و سورية ) قد بات في مراحل تشكله الاخيرة و ان سورية وحدها تقاوم ، و انهم بالدعم و الاسناد و التحشيد الدولي واثقون من من اسقاط هذه العقبة ، اما اليوم فقد انقلب الوضع و بات الاخوان في مواقع دفاعية ملاحقون في مصر و يترنحون في تونس و يائسون في الاردن و خائفون من مستقبل اسود في تركيا ، و فاقدون للقرار و السيطرة على ما ركبته اميركا لهم تحت تسمية " الائتلاف الوطني السوري" ...اي بعد ان كان الاخوان رافعة اساسية لمشروع العدوان باتو عبئا عليه لا يمكن ان يعول عليهم بدور فاعل يعتد به .
6) قبل اشهر كانت الجماعات الارهابية العاملة في سورية تظهر – على الاقل كما تصرح – انها متعاونة تنسق فيما بينها من اجل نجاح مشروعها الصهيواميركي ، اما اليوم فقد انقلب المشهد واعلنت جبهة النصرة – الفرع السوري للتنظيم الارهابي الشهير باسم القاعدة التي انشأتها اميركا و لا زالت تحتضنها - اعلنت ان ما يسمى "جيش سوري حر" (و هو ما تتظاهر السعودية بانه تعول عليه ) هو "جيش كافر ينبغي قتاله" ، و بدأت بالفعل بذلك عبر ملاحقة عناصره . ثم اضيف الى الصراع بين المسلحين ما يحصل بين الجماعات الكردية و عصابات جبهة النصرة ، ما يعني ان جسم الجماعات الارهابية تحول من ترابط ما ( و لا نقول تماسك لانه لم يكن يوما كذلك ) الى صراع علني مدمر ، و بطبيعة الحال ان جسما كهذا لا يمكن ان يمسك ارضا او ينجز هدفا .
7) قبل شهرين كان لبنان يشكل جسر عبور رئيسي لامداد الجماعات المسلحة بكل ما يلزم من عديد و عتاد وصل الى حد تأمين 40% من احتياجاتها عبره ، اما اليوم و بعد ان اخرج الارهابيون من القصير و منطقتها و نشر الامن الشرعي الرسمي السوري فيها ، بهذا تعطلت ورقة لبنان ، و لن يغير في الحال هذا الحركات اليائسة التي تقوم بها جماعات ترتبط بالمدير الميداني الجديد لمشروع العدوان على سورية ، عبر متفجرة هنا او نسفية هناك او تلويح بعزل حزب الله عن الحياة السياسية و الحكم في لبنان ، فكل هذه الحركات و التحركات واهنة عديمة الاثر و اعتقد ان اصحابها يدركون ذلك او عليهم ان يدركوه .
8) و اخيرا و حتى لا استرسل اكثر ، و باطلالة سريعة على خريطة الوجود الميداني للجماعات الارهابية و قدراتهم ، فنجد ان اندحارهم امام الجيش العربي السوري و القوات الرديفة كان مذهلا خلال الاشهر الاربعة الماضية فتقلص وجودهم الى الثلث مما كان عليه قبل اشهر ثم انهم دخلوا في مشهد المناطق المحاصرة او المقطعة الاوصال و فقدوا ما كانوا يرددونه من قدرة على الهجوم على دمشق مثلا او قط طريق دولي او محاصرة مدينة اساسية الخ ...
هذا غيض من فيض ما كان قائما لمصلحة العدوان قبل اشهر ، و تغير اليوم ليكون في تراجع على كل الصعد و على العاقل ان يسأل : اذا كان العدوان عجز عن تحقيق اهدافه عندما كانت ظروفه افضل بكثير من اليوم ، فهل بامكانه بعد هذا الترهل و تشرذم القوى و تنازعها ان يحق ما عجز عنه ؟
إرسال تعليق